ضبط التهريب يعني ضبط سعر الصرف
تؤكد المعلومات المتداولة هذه الأيام “إمكانية توسيع دائرة التوقيف والتحقيقات” للمتورطين بمخالفات سمحت بإدخال مهربات تركية وغيرها للبلد بطرق غير شرعية، لتطول عدداً أوسع من العاملين في الجمارك وربما الإدارات، وذلك على خلفية إيقاف عدد من العاملين في الأمانات الجمركية الحدودية (أمانة جديدة يابوس الحدودية مع لبنان وأمانة نصيب الحدودية مع الأردن)، إضافة لشخص يعمل لدى مديرية جمارك دمشق، وصدور قرار بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة بحق أحد كبار المخلصين الجمركيين”..
المسألة خطيرة ولها أبعاد كارثية وتعري حقيقة نأي بعض المنخرطين في العمل الجمركي عن “خدمة الاقتصاد”.. البعد الأول تغلغل المنتجات الأجنبية رويداً رويداً في السوق على حساب نظيرتها المحلية كخطوة تمهيدية لانحسارها وبالتالي القضاء عليها في مرحلة لاحقة، وتحويل الاقتصاد السوري الذي يدأب حالياً لتفعيل الإنتاج رغم ما يواجهه من تحديات ليست بالقليلة إلى اقتصاد استهلاكي.. وهذا الأمر يقود إلى البعد الثاني المتمثل بتغيير النمط الاستهلاكي بما يتوافق مع السلع والمواد المهربة، ضاربة عرض الحائط نظيرتها المحلية، مع الإشارة هنا إلى أن المائدة السورية التقليدية غنية بالمنتجات الزراعية والغذائية الوطنية الكفيلة في حال الاشتغال على زيادة إنتاجها وتطويره أن تضاهي المنتجات الدخيلة “تهريباً”..!
ويتمثل البعد الثالث بتهديد قيمة الليرة السورية من خلال استنزاف القطع الأجنبي لتمويل هذه المهربات، وضياع ثمرة الجهود التي بذلتها الدولة – ولا تزال تبذلها – بغية استقرارها، والتي يشكل التهريب أبرز أسبابها، ذلك أن ضبط التهريب يعني في المحصلة التهائية ضبط سعر الصرف..!
لعل البعد الأخطر من هذا وذاك يكمن بطمس هوية الاقتصاد الوطني القائم على فسيفسائية متنوعة ومتكاملة قل تواجدها في العديد من الدول، والتي تشمل “الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة” يضاف إليها الموقع الإستراتيجي والثروات الطبيعية والعمالة الماهرة.. إذ أن الانصياع المباشر وغير المباشر وراء التهريب بطريقة أو بأخرى يعني بنهاية المطاف الحد من تفعيل هذه القطاعات بشكل كبير، علماً أن الاشتغال على استثمارها كفيل بنهوض الاقتصاد الوطني إلى مصاف الاقتصادات الإقليمية على أقل تقدير..!
يبدو أن خطورة آفة التهريب واجتراح الحلول الكفيلة باجتثاثها لم تؤخذ بعد على محمل التعاطي الجدي، إذ لا يزال رموز التهريب يعيثون فساداً دون أي رادع..!
البعث
|